قبل الشروع في تبيان الأهمية التاريخية لمنطقة تافراوت ،تجدر الإشارة  في البداية الى أن تاريخ  المنطقة يكتنفه الغموض وذلك لقلة المصادر وتعدد الروايات  مما أدى الى اختلافها في شأن بعض الأحداث بالاضافة  الى  الإختلاف  في تحديد  بعض المواقع  وبعض اسماء القبائل ، لهذا فإن الحديث عن تاريخ المنطقة لا يتجزأ عن الحديث  عن تاريخ الأطلس الصغير بصفة عامة ،وخاصة الأطلس الصغير الغربي والأوسط ،كما لا يتجزأ عن الحديث عن تاريخ الجنوب المغربي فيما يتعلق بالتاريخ القديم

فالجنوب المغربي إذن شكل إحدى مجالات الإستقرار البشري القديم  والذي يعود إلى أواخر العصر الحجري الحديث،ويظهر ذلك  من خلال النقوش الصخرية المتواجدة بالأطلس الصغير  وهي عموما تعود إلى ثمان آلاف سنة خلت  . كما كانت هذه المنطقة تشكل مجال استقرار قديم لليهود يعود إلى القرن 11 قبل الميلاد والذي كان الأطلس الصغير الغربي كله مجال انتشار هذا العنصر ، حيث أسست فيه أقدم مملكة يهودية بالمغرب “تبو شو دونسور”  أتى اليها اليهود بعد اضطهادهم من المشرق ، وهي الآن ” إفران الأطلس الصغير” والتي تم تأسيسها بعد اتفاق مع أهالي المنطقة . ولم يدم حكم اليهود بهذه المنطقة طويلا  إذ سرعان ما فقدوه لصالح أمازيغ المنطقة .هذا بالإضافة إلى أن هناك من المؤرخين من يشير إلى أ، إسم “تامدولت” كانت تذكر من طرف حاخامات اليهود كمستعمرة قديمة لهم والذين بدأوا في استغلال معدن الفضة بها ،وعرفوا حقا في المنطقة بتعاطيهم لتعدين الفضة والمتاجرة بها إلى بداية القرن 20

أما عن التاريخ الوسيط لمنطقة تافراوت ونواحيها ،فان هناك عاملين أساسيين تحكما في تاريخ هذه المنطقة   ويتعلق الأمر بالموقع  والموضع. فبالنسبة للأول فبعتبار تافراوت تقع بالأطلس الصغير    فهي منطقة عبور بين الجنوب أو الصحراء وسهل سوس .في حين أن الثاني جعل تافراوت كحوض داخلي يفرض نفسه كعامل مفسر للحروب القبلية التي شهدتها المنطقة .وهكذا فلموقعها الإستراتيجي لعبت تافراوت  دور الوسيط التجاري على   مدى تاريخ المغرب الوسيط أي منذ ظهور “تمدولت” كمدينة تجارية مهمة

فسياسيا المنطقة استقر بها سكان أمازيغ محليين يسمون بالجزوليين المنتشرين بجبال جزولة مع عناصر عربية  دخلوا إلى المنطقة لنشر الإسلام في عهد الأدارسة ،هذا بالإضافة إلى اليهود الذين يرجع تاريخ تواجدهم بالمنطقة إلى ما قبل الميلاد . فدخول الأدارسة الى الأطلس الصغير أسفر عنه  تأسيس مدينة تامدولت بجبل باني  واستغلال معدن الفضة بها في عهد يحيى بن إدريس المستقر بها ،وقد ذكرت أهمية مناجم تامدولت التجارية في مصادر  التاريخ المغربي الوسيط كالبكري واليعقوبي وغيرهم… وما يظهر هو أن قبائل جزولة بقيت شبه مستقلة عن المركز أو المخزن في بعض مراحل التاريخ الوسيط ،فقد وصلها الأدارسة لنشر الإسلام ،واستطاع المرابطون اخضاعها فيما بعد ليجد الموحدون صعوبة اخضاع هذه القبائل .في حين أن دولة السعديين  وجدت سندا من قبل بلاد جزولة . وعموما فاهتمام المرابطين والموحدين بالأطلس الصغير  يدخل في إطار الإهتمام بتامدولت كنقطة استراتيجية للتجارة الصحراوية .

أما اقتصاديا فتعتبر “الكست” عاصمة جزولة الواقعة بجبال الكست شمال تافراوت -كما حاول بعض المؤرخيين تحديدها- من بين أربعة مدن مهمة في سوس الجنوبي إبان القرنين 12م و 13 م ،لما لها من موقع استراتيجي  يربط بين تامدولت وتارودانت وسهل سوس نحو “موكادور” كأكبر مركز تجاري بالجنوب المغربي آنذاك . “فالكست” إذن ممر رئيسي ومنفد نحو ..تافراوت الحوض  مرورا  بتزي “نبركاك” ثم “إسافن” نحو وادي “أقا” للوصول إلى تامدولت إلا أنه ومع بداية القرن 16 م سيبدأالعد العكسي لهذه المناطق نحو الإنهيار  مباشرة بعد دخول عرب بني معقل وارتكابهم لمجموعة من عمليات النهب وقطع الطرق مع انعدام الأمن بصفة عامة .وهكذا وبتدهور الدور التجاري لتامدولت ودمارها فيما بعد ستتدهور معها الأوضاع الإجتماعية لسكان تامدولت وأقا وأيت وابلي وبالثالي الدفع بهم نحو الهجرة والبحث عن المناطق الزراعية في الواحات والأحواض ،وهكذا استقروا بواحات الأطلس الصغير الأوسط والغربي ك “إسافن” و إداوكنسوس” وغربا نحو حوض تافراوت ، وهذا ما يتوافق مع ما يؤكده سكان هذه  الواحات بالأطلس الصغير  بصفة عامة حول أصولهم الجغرافية التي  يرجعونها إلى تامدولت .وبوصولهم إلى هذه المناطق وبعده بقليل ستشهد منطقة تافراوت حروبا قبلية استمرت إلى بداية القرن 20 م

في الأخير سنخلص إلى نتيجة مهمة وأساسية في هذه اللمحة التاريخية وهي أن قدم التعمير بمنطقة تافراوت واختلاط الأجناس البشرية بها على طول العصور التاريخية ،أعطى لها تراكما حضاريا وثقافيا مهما أصبح يشكل الآن أحد المكونات ألأساسية للمؤهلات الثقافية